"إنجازٌ" ليس إنجازاً
موريس نهراجريدة النهار
لم تعد الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان بشأن تشكيل الحكومة، ظاهرة نادرة. فتكرارها مرّة تلو أخرى، وعند كل مفصل، هو مظهر لخلل بنيوي في أسس النظام الطائفي والمعايير المنبثقة منه. وتأتي تعقيدات تشكيل الحكومات وتداعياتها السلبية على الحياة السياسة، وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والمعيشي، كدليل واضح على ان النظام قد وصل الى حالة تناسل أزمات، خلافاً، لما يقتضيه انتظام عمل الدولة وسلطتها واوضاع البلاد. واذا ما كان حصول ازمات في بلدان أخرى، يرتبط بتناقضات الاطراف السياسية التنافسية، وتملي نتائج الانتخابات فيها مشاركة اكثر من طرف واحد في تشكيل الحكومة، كي تفوز بثقة أكثرية النواب، فإن مثل هذه المشاركة، تقوم غالباً على قاعدة التقارب السياسي، والاتفاق على أولويات عمل الحكومة ومهماتها. والاختلاف النوعي بين ما يجري في تلك البلدان، وبين الوضع السياسي اللبناني، يكمن في طبيعة النظام وتكوين السلطة. فالأحزاب والتكتلات هناك، يتخذ تكوينها طابعاً أفقياً على امتداد البلاد والمجتمع. والانقسامات والتنافسات بينها تجري على اساس سياسي يتجلى في برامجها ومواقفها حيال القضايا الشعبية والعامة الوطنية والاجتماعية. اما عندنا، نجد ان لكل طائفة حزبها أو أحزابها وكتلتها النيابية. وينعكس تمثيلها للطائفة في سياساتها المركزّة على تعزيز دور الطائفة وحماية حصتها من مطامع غيرها من الطوائف. وهذا النمط الطاغي في مواقع الدولة وتركيبة سلطتها وممارسات أطرافها، يفرز انقسامات عامودية وتناقضات داخل السلطة وعلى صعيد المجتمع، وان المفاهيم الميثاقية والتوافقية المنبثقة من نظام التحاصص الطائفي، تجعل امتناع ممثلي طائفة واحدة عن المشاركة في حكومة، خللا ميثاقياً غير جائز دستورياً، حتى وان كانت الحكومة تحظى بأكثرية قانونية. وقد استدعت مشاركة اطراف متعارضة او متباعدة سياسياً في الحكومة، استنباط مفهوم التوافقية. وكل هذه المفاهيم، التحاصصية الطائفية، والميثاقية، والتوافقية، هي امور غريبة عن قاعدة بناء الدولة وتشكيل الحكومات، وهي عوامل معرقلة لبناء السلطة وعملها. والتعقيدات الناجمة عنها هي في اساس اضعاف الدولة ودورها، وانتاجية سلطتها. وفي وصول البلاد والوضع الاقتصادي والمعيشي الى حافة الهاوية.
لقد اثبت نظام التحاصص الطائفي فشله وعدم صلاحه لإدارة شؤون البلاد. فالإنقسامات العامودية التي يستولدها لم تصل الى التعثر والشلل في السلطة فحسب، بل أوصلت الى نزاعات وحروب أهلية مأساوية. كما انها أظهرت ان الطبقة السلطوية، عاجزة عن حلحلة الأزمات بنفسها. فكان اللجوء دائماً الى تدخلات ووسائط او وصايات خارجية. من مؤتمر الطائف الذي توقفت الحرب عام 1989، على اساس الوثيقة الدستورية التي أقرها، ولم تنفذ منها النقاط الاصلاحية. الى مؤتمر الدوحة عام 2008. وقبله الرعاية او الوصاية السورية .. وقبل ذلك الدور المصري (عبد الناصر) والأميركي في تسوية عام 1958، التي اتت بالرئيس فؤاد شهاب.
هذا عدا استمرار دور العوامل الخارجية وتأثيرها على الوضع اللبناني، وعلاقتها بالاطراف الداخلية.
ان اوضاعاً مأزومة بهذا الحجم، تجعل تشكيل الحكومة، وأي تحسينات جزئية في ملف او أكثر ليس انجازاً، وهو بعيد عن الاصلاح الذي تحتاجه البلاد والشعب. فتكوين السلطة، وانتظام عملها وانتاجيتها، لا تتحقق بدون تغييرات جدية، تستبدل المرتكزات الطائفية ومعاييرها المكبّلة للسلطة، ومن يرغب فيها بتحقيق الاصلاح، تحت سقف النظام القائم. وهذا ما يملي استبدال الدولة الطائفية، بإقامة دولة ديمقراطية حديثة متماسكة، دولة قانون ومواطنية، يتساوى فيها جميع اللبنانيين في الحقوق، بمعزل عن انتمائهم لدين أو طائفة. تضمن حرية الفكر والمعتقد للجميع. ولعل ذلك يقتضي عقد مؤتمر وطني شامل، لا يقتصر على ممثلي الطوائف بل تشارك فيه الاحزاب والتيارات العلمانية والهيئات النقابية والنسائية والثقافية للبحث في كيفية اخراج لبنان من دوامة الازمات والتناقضات، الى فضاء الوطن والاستقرار والتطور الطبيعي.ان ما كان ملائماً قبلاً، من توزيع مواقع السلطة على ممثلي طوائف، كتدبير في ظرف استثنائي يتعلق بتوحيد الموقف لإنتزاع الاستقلال وحمايته، تحول في تقادمه واهترائه كنظام سياسي، الى خطر على لبنان واستقلالية قراره، وعلى وحدة شعبه وسلمه الاهلي. وقد حال نظام الطائفية هذا، دون تحويل الكيان الى وطن، والسلطة الى دولة. وجعل أكثرية الشعب تفقد ثقتها بالطبقة السلطوية وحتى بلبنان ومستقبله بالنسة الى كثيرين. فجمال هذا البلد حولّوه إلى بشاعة وفساد وتلوث، وسمعته الى تشويه، وشبابه الى مهاجرين او عاطلين عن العمل. وافشلوا نجاح التعدد فيه وجعله رسالة ومثال.
Data
Title: "إنجازٌ" ليس إنجازاًLink: http://www.lcparty.org/index.php?option=com_content&view=article&id=16855:qq--
Source: الصفحة الرئيسية
Organization: wmatta@assafir.com (الادارة)
Date: August 07, 2018 at 08:51PM
Actions
Translate original to: En | Es | Fr | De | Pt | Gr | Ca | +Share original with: Twitter | Facebook | Google +
Labels: Lebanese Communist Party, Lebanon, Parties