مقابلة مع عبد الكريم سرحان في الذكرى الـ 31 لإستشهاد مهدي عامل
سعد مراد- كاترين ضاهر
عندما ذهبت مع كاترين لمقابلة الرفيق عبد الكريم سرحان، ظننت أننا سنجري لقاءً صحافياً او ما شابه، لقاءً مبنياً على "السين والجيم". فعبد الكريم كان قد رافق مهدي عامل في أواسط السبعينيات عندما كان مهدي تحت إسم الرفيق طارق يلقي المداخلات السياسية في الجنوب (في الأندية والبيوت والحسينيات(.
لكن المقابلة أخذت شكلاً مختلفاً. لم تكن ذكريات الكريم مجرد ذكريات. لقد كانت حاضرة حيّة في فكره ومشاعره. حيث لكلِّ ذكرى معنى نضالي يوصل ماضينا بحاضرنا. فطال الحوار وإستمر ساعات لم نشعر بها. لذلك سأعرض بعض المحطات في هذا اللقاء الطويل.
قبل أن نبدأ بطرح الأسئلة، بادر الكريم بمشاركتنا بعضاً من مشاهداته "جميل جداً أن يكون مهدي عامل في قلوب الشيوعيين والمناضلين، جميل جداً أن يكون مهدي أيقونة عند الشيوعيين في لبنان والمشرق العربي بعامّة. فمهدي عامل أبرز الفكر الماركسي كفكر متحرّك ضد محاولات وضع هذا الفكر في قوالب جامدة، يصبح بها خارج النقاش والنقد.
لكن هذا لا يكفي. فدخول مهدي عامل إلى قلوب الشيوعيين لم يُستكمل بعبوره إلى عقولهم وفكرهم. إني أعتبر هذا الأمر خطية". ثم يتابع كلامه متوجهاً إلى قيادة الحزب "على قيادة الحزب، على كوادر الحزب أن يعتمدوا هذا الأدب الفكري العظيم كجزءٍ من تربيتها وبنيتها الثقافية والفكرية".
لم تكن علاقة مهدي بقيادة الحزب حينها، علاقة إنسجام تام. بل شهدت في بعض الأحيان تشنجات وعدم توافق حول مسائل هامة. "في سنة 1978- يروي عبد الكريم- كنت شاهداً لجلسة محاسبة قاسية وصاخبة لمهدي. حدثت هذه الجلسة في منزل كريم مروة في بيروت وحضرها كريم مروة، خليل الدبس، محمد دكروب ومهدي عامل. وجهت عبارات قاسية للرفيق مهدي (كيف تكتب هكذا، كيف تسمح لنفسك بهكذا كلام...). لقد كان شكلاً من أشكال الضغط على مهدي لعدم إيصال بعضاً من أفكاره إلى الصحافة". أسأل الكريم بماذا تتعلق أفكار مهدي - موضوع الخلاف. يجاوب: "إنها تتعلق بالموقف من النظام السوري وبالعلاقة بالمقاومة الفلسطينية". ثم يتابع عبد الكريم "تأخذني هذه الجلسة في الذاكرة إلى سنة 1976 حيث كنت أرافق شهيدنا، الذي إتخذ لنفسه إسماً حركياً الرفيق طارق، في جولاته على القرى والبلدات الجنوبية. كان الرفيق طارق يجول في سيارة الفولسفاكن القديمة في الجنوب مقيماً الندوات الحوارية، السياسية والفكرية في البيوت والأندية والحسينيات. في ندواته هذه شدد الرفيق طارق على خطورة المشروع الأميركي وحذَّر مما سُمّي حينها قشرة الموز الأميركية" أي إستدراج النظام السوري للتدخل في لبنان، للإنغماس في الشأن اللبناني مواجهاً الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت قد حققت إنتصارات هامة حينها".
لم تقتصر ذكريات عبد المتعلقة بجولات الرفيق طارق على ما هو مرتبط بخلافات مهدي مع قيادة الحزب. كانت جولات الرفيق طارق تصل إلى القرى الحدودية كحولا وعيناثا وميس الجبل. "إحدى المرات، أغلب الظن، في بلدة ميس الجبل (أو في عيناثا) جرى لقاء حواري مع الرفيق طارق في منزل يبعد حوالي العشرة أمتار عن الشريط الشائك الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة. أردت أن أشعل سيجارة فخرجت من المنزل مع بندقيتي الكلاشينكوف. فإذا بي أجد نفسي على بعد أمتار من مجموعة جنود إسرائيليين كانت تتجول في ملاصقة الشريط الشائك. إنسحبت رويداً رويداً، لم يكن الوقت المناسب للإشتباك. على فكرة كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها جنوداً إسرائيليين. لهذه الواقعة أهمية رمزية نضالية كبيرة. فقد كان الرفيق طارق (مهدي عامل) يتكلم داخل البيت محذراً من مشروع الجدار الطيب الإسرائيلي الرامي إلى إستمالة سكان القرى والبلدات الحدودية عبر توفير بعض الخدمات الصحية، الاقتصادية والمعيشية لهم، كان مهدي يحذر الناس من هذا المشروع والجنود الإسرائيليون على بعد أمتار منه".
تشّعب بعدها الحوار، وكنت اتحايل الفرصة لأطرح السؤال على عبد الكريم حول أهمية قول مهدي عامل "لست مهزوما ما دمت تقاوم" بالنسبة للمقاومين. لم يتسنَ لي طرح السؤال فقد سبقني الى الجواب.
"في بدايات الغزو الصهيوني للبنان وصولاً الى بيروت (1982)، كتب الرفيق حسين مروة فقرة صغيرة في النداء، بعنوان الحزن القاتل والحزن المقاتل، يتكلم فيها عن اليوم الذي زاره الشاعر خليل حاوي منهار الأعصاب والمعنويات لرؤية الصهاينة في بيروت. خرج الشاعر من منزل الشهيد حسين مروة وبعدها انتحر. هذا هو الحزن القاتل. في اليوم نفسه دخلت مجموعة مكوّنة من شابين او ثلاثة، الزنود السمر كما سماهم أبو نزار، الى منزله وأخبرته عن نجاح أول عمليات جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي (عملية محطة أيوب). هذا هو الحزن المقاتل"
يتابع حديثه "كنّا في النبطية نحاول التحرّش بالاسرائيليين بأيدينا. بهذا كنا نتخطّى عقبة الخوف النفسي. وصلت الأمور في بعض الأحيان الى العراك بالأيدي معهم في الشوارع. في هذه الظروف تصلنا جملة مهدي عامل لست مهزوماً ما دمت تقاوم". في هذه اللحظة من اللقاء يزداد البريق في عينيْ عبد الكريم، يتوهّج وجهه، تنتصب قامته، يتكلم محركاً قبضته في تناغم تام مع تدفق افكاره وأحاسيسه. "بالنسبة لأي مناضل شيوعي، مناضل ثوري، أهمية هذه العبارة هو هذا النوع من التواصل الروحي والفكري والمعنوي بيننا وبين من هو بعيد جغرافياً عنّا. لقد شكلت لنا هذه العبارة غذاءً روحياً رفع عالياً من معنوياتنا.
لست مهزوماً ما دمت تقاوم، لا تعني المقاومة بالسلاح فقط بل هي تشمل نواحي الحياة كافة، النواحي الشخصية المناضلة، بحيث تصبح الكلمة، الصوت، الموقف، المظاهرة كلها مقاومة،... الحب مقاومة... انها المقاومة المرتبطة بثقافة الحياة.
أخذنا هذه العبارة ونسخناها بواسطة أوراق الكربون مئات النسخات. وزّعناها على البيوت في الليالي ليستيقظ الناس صباحاً فتجد عبارة لست مهزوماً ما دمت تقاوم على أبواب منازلها. الشيء نفسه فعلناه مع عبارة الشهيد حسين مروة"
في هذه المحطة من الحوار مع عبد الكريم، تبدّى لي أنه يعيش نفسياً من جديد تلك اللحظة التاريخية في كفاحه ورفاقه ضد المحتل الاسرائيلي، في كفاحهم من أجل الحرية والحب والجمال.
جمالية هذه اللحظة لا تتحدد فقط بالتحام الفكر الثوري بالفعل الثوري التحرري، بل بتحول كل منهما الى الآخر في حركة تداخل بينهما تولد عند الشيوعي المقاوم روحية المنتصر. هل أبالغ بما شعرته في هذا الجزء من الحوار مع عبد الكريم؟
*المصدر "النداء"
Data
Title: مقابلة مع عبد الكريم سرحان في الذكرى الـ 31 لإستشهاد مهدي عاملLink: http://www.lcparty.org/index.php?option=com_content&view=article&id=16301:--------31----
Source: الصفحة الرئيسية
Organization: wmatta@assafir.com (الادارة)
Date: June 12, 2018 at 01:21AM
Actions
Translate original to: En | Es | Fr | De | Pt | Gr | Ca | +Share original with: Twitter | Facebook | Google +
Labels: Lebanese Communist Party, Lebanon, Parties